اسلوب الغائب والحاضرفى التوراه

اسلوب الغائب والحاضرفى التوراه
جزء من مقال كتبه :د/حسن مصطفى الباش
دمشق_سوريا

من الامور الملفته للنظر فى اسلوب كتابة الاسفار الخمسه ، وما دونه عزرا وغيره وجود صيغ وتراكيب وجمل تشير الى ان كاتب هذه الاسفار ومدونها شخص آخر غير النبى موسى عليه السلام ، ويمكن أن ترى فى هذه الاسفار عدة أساليب لغويه، مما يدل على أن كل أسلوب يرجع الى كاتب واحد غير الكاتب الآخر الذى كتب بأسلوب مخالف للاسلوب الاول.
يقول رحمة الله الهندى : " وهذا الامر لا يظهر فى موضوع من موضوعات التوراة ، بل تشهد عباراته أن كاتبه غير موسى ، وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهره فيما بين اليهود ، ميز بين هذه الأقوال بأن ما كان فى زعمه قول الله ، أو قول موسى (ادرجت تحت قول الله) ، أو قال موسى وعبر عن موسى فى جميع الموضوعات بصيغة الغائب، ولو كانت التوراه من تصنيف موسى لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم "
وقد جاء فى التوراة " فمات هناك موسى عبد الرب فى أرض موآب ، مقابل بيتفغور ، ولم يعرف انسان قبره الى هذا اليوم".
فهذا النص لا يمكن أن يكون وحيا أوحى به الى موسى ؛ لأن الكلام هنا لمدون أسفار موسى ويتضح ذلك من قوله ؛فمات موسى ؛ اذ كيف يضمون هذا الكلام الى سفر التثنيه ؛ ويزعمون ان اسفار موسى الخمسه تضم سفر التثنيه . فهل يعقل أن موسى بعد أن مات يقول عن نفسه ، ان موسى بعد أن مات ودفن ، لم يعرف انسان قبره؟
ومن أمثلة ما يوضح أن كاتب التوراة رجل آخر غير موسى قول التوراة " وكان الكنعانيون حينئذ فى الارض " (التكوين 12/5) .وهذا يدل على أن كاتب التوراة كتبها بعد التسرب الاسرائيلى لأرض كنعان.
وقد تكررت العبارات كثيرا ومثلها كثير وبخاصة عندما يتحدث كاتب التوراه فى سفر التكوين عن تنقل ابراهيم أو عن الملوك أو يعقوب وبقية الشخصيات النبويه الوارد ذكرها فى سفر التكوين.
واذا راقبنا سفر التكوين الى اخره لا نجد ذكرا لموسى فيه ، وكان الكاتب دوما يتحدث واصفا ما جرى، ولم ترد عبارة او اشاره الى ان هذا السفر وحيا من الله أو كلام الله لموسى
وعندما نقرأ سفر الخروج نجد صيغة الكلام نفسها تقوم على السرد والوصف ، فنرى ؛وذهب رجلا من بيت لاوى وأخذ بنت لاوى فحبلت المرأة وولدت ولدا . فهل كان هذا الكلام كان حديث موسى أم كلام الرب؟؟
ويقول السفر " وحدث فى تلك الايام لما كبر موسى ......وهنا معنى قوله تلك الايام يدل على ان هناك زمن بعيد بينه وبين موسى.
وايضا : " فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن ، هل يتحدث موسى هكذا عن نفسه من المفترض ان يقول "نهضت ونجدتهن وسيقت غنمهن".
وهكذا فى جميع الاسفار وبخاصة سفر الخروج نرى كاتب التوراة يتحدث باسلوب الغائب ، وهذا يدل على ان كاتب التوراه يتحدث عن زمن مضى بعيدا عنه ، فهو يتحدث على سبيل السرد القصصى التاريخى ، فلو كانت هذه الاسفار وحيا من الله لتغير الاسلوب من الحديث باسم الغائب الى الحديث باسم الحاضر او المتكلم.
ومادة هذا الكتاب واسعه جدا ، وقد نشأت وصيغت على امتداد قرون ؛ لذلك فهى بعيده كل البعد عن كتاب موسى ووحى الله سبحانه وتعالى ، فانه لو كان وحيا لتحدث موسى عليه السلام انه تلقاها مباشرة من الله ، ودونت وظلت على حالها ، بل هى مخالفه كلية لما نزل على موسى من كتاب.
ويدعى بعض علماء اليهود أن عزرا كتب التوراة بالالهام ، بمعنى أن الله ألهمه التوراة وهذا يعنى ان كتاب موسى وتوراته بعد أن انعدما كتبه عزرا بالالهام مرة أخرى ، والواقع أن عزرا لم يعد الى كتاب موسى ولو شفاهية عندما دون توراته ، ولو كان ما كتبه عزرا الهام ما وجد اختلافا واضحا بين نسخ التوراة السامرية والعبرانيه واليونانيه.
يقول السامريون:"أن عزرا هو الذى كتب هذه التوراة ، وأنه حرف كلام وغير وبدل عمدا وبمحض ارادته ، ولم تكن التوراة ضائعه فكتبها بل أستبدل الحق بالباطل".
ويقول أبو الفتح بن أبى حسن السامرى فى تاريخه :"ان الفرس لما سمحوا لليهود العوده الى ديارهم طلبوا منهم أن يتحدوا تحت رئاسة واحده وتكون لهم عاصمة واحده ؛ليسهل التعامل معهم ، فأصر بنو مملكة اسرائيل (السامرة) ان تكون الرئاسة فيهم ، وان يكون هيكلهم فى نابلس وهى السامرة قديما ويكون هو القبله ، وأصر بنو مملكة يهوذا (القدس)أن تكون الرئاسة فيهم ، وأن يكون هيكلهم فى القدس .
واشتد العداء بينهم فغير بنو يهوذا نصوص التوراة لصالحهم وخلفوا الخط العبري .ويتابع قوله : ان تحريف التوراة قد تم على يد اليهود العبرانيين ،بعدما منع السامريون العبرانيين من ابنائهم الهيكل بوساطة ملك فارس بعد العودة من السبى البابلىمباشرة، وباعترافات السامرى ،فان عزرا وزربابل هما اللذان ابتدعا التوراة الجديده . عزرا لأنه من نسل الكهنه أبناء هارون، وكذلك زربابل ؛لأنه من نسل داود من سبط يهودا من النسل الملكى الحاكم.

نظرا لما تعودنا عليه من اساتذتنا الفاضلين لابد البحث عن كاتب الموضوع وسيرته الذاتيه لتوثيق الماده العلميه
تعريف الكاتب
د. حسن مصطفى الباش من مواليد فلسطين 1947 دكتوراة في مقارنة الأديان. عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينين، واتحاد الكتاب العرب وهيئة تحرير مجلة الإسلام، ومدير تحرير مجلة الأمة ورئيس تحرير مجلة المجاهد، ومستشار منتدى العودة، له مجموعات شعرية ومؤلفات من التراث الشعبي ودراسات فلسطينية خاصة وفي الصراع العربي الإسرائيلي والإسلاميات والأديان ومقارنة الأديان