متى دونت التوراه؟

لقد اصبح من المتفق عليه لدى الباحثين والدارسين فى التوراه أنه تم التدوين على يد عزرا الكاتب أيام السبى البابلى.
وتشير الدراسات أن التوراة الحقيقيه قد فقدت قبل السبى البابلى وليس بعده ،وليس بسبب هجوم نبوخذ نصر على القبائل الاسرائيليه ، ولعل أكثر الاحتمالات لسبب أخفاء التوراة وكتاب موسى أن بنى اسرائيل هم أنفسهم من أخفوها . وقد تنبأ موسى أن بنى اسرائيل سوف يزيغون عن طريقه ويحرفون كلام الله وذلك فى سفر التثنيه ما جاء على لسان موسى " وقال الرب لموسى هو ذا ايامك هو ذا ايامك قد قربت لكى تموت ، ادع يشوع واقفا فى خيمة الاجتماع لكى اوصيه ، فانطلق موسى ويشوع ووقفا فى خيمة الاجتماع ، وقال الرب لموسى : ها أنت ترقد مع آبائك ،فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهه الأجنبيين فى الأرض التى هو داخل اليها فى ما بينهم ، ويتركنى وينكث عهدى الذى قطعه معى".
ويقول "فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة فى كتاب الى تمامها . أمر اللاويين حاملى تابوت عهد الرب قائلا : خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب الهكم ، ليكون هناك شاهد عليكم،لأنى أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبه "
وحسب نص التوراة قال موسى لقومه : اننى أصبحت ابن مئة وعشرين عاما ،ثم تحدث لهم عن التوراة وأوصاهم أن يحفظوا ما فيها.
فموسى قبل أن يموت بأيام كتب لبنى اسرائيل هذه التوراة حسب ما جاء فى النص ، وهذا يعنى أن توراة موسى الذى أتاه الله فى سيناء سبق كتابة هذه التوراة بثمانين سنه.
وبعد موت موسى عليه السلام تسلم كتاب التوراة اللاويون، أى اولاد هارون ، ولم تنشر نسخ منها لبنى اسرائيل ,لكن التوارة تشير الى ان يشوع نسخ نسخة خاصة به نقلا عن نسخة النبى موسى علية السلام واحتفظ بها لنفسة ولم يطلع علية احد غيره ولا احد يعرف ماذا حدث لنسخة موسى لان التوارة لا تاتى على ذكرها بعد موت موسى وفى زمن سليمان عليه السلام لم يرد ذكر لهذه التوارة ايضا ولا لتوارة يشوع.
وتشير التوراة الى انه فى عهد الملك (يوشيا بن آمون )641-611 ق.م أى بعد موسى ب700 عام أرسل الملك أحد موظفى قصره واسمه (شافان بن أصليا بن مشلام) الى ما يسمى معبد أورشليم ، ليحسب مع كاهنه الاعظم (حلقيا) النقود التى دخلت ما يسمى الهيكل من الزائرين لكى تصرف على تعميره وترميمة فيجد الكاهن كتاب التوراة ، ويعطيه لشافان فيقرؤه ثم يذهب به الى الملك.
وهذا يشير لى أن كتاب التوراة ظل ضائعا أو مخفيا طوال سبعمائة سنه ، وعثر عليه مصادفه . وقد يكون هذا الكلام تلفيقا من كاتب التوراة أو قد يكون الكاهن نفسه هو قد ألف هذا الكتاب لحاجة الناس له.
فبعد سبعمائة سنه من موت موسى ماذا جرى لما كتبه ؟؟؟
اذا كان كتب بالفحم فما أسرع أن يمحى، واذا كان نقش بالازميل على حجر فهو بالتأكيد ليس كتابا انما وصية صغيره، اراد موسى من خلالها ان يذكر قومه بالاستقامة مع الله ، فقول أن هذا الكتاب هو التوراة فهناك ما يكفى لرفض هذا الكلام فكيف يعقل ان يعثر على التوراة بعد انقضاء هذه المئات من السنين وقد جاءت أسفار طويله فما سبق لا يعد سوى تأليف من من دون التوراة فى السبى البابلى.
وخلال هذه المئات من السنين ظل بنو اسرائيل من غير كتاب يسترشدون به وكان الانبياء والكهنه يقودونهم فى عبادنهم ومعاملاتهم دون كتاب . وتورد نصوص التوراه ان ملك الفرس كلف عزرا اثناء السماح لبنى اسرائيل العوده لاستعمار فلسطين بكتابة التوراه بعد أن اعطاه صلاحيات كثيره.
وجاء فى سفر عزرا " وهذه صورة الرساله التى أعطاها الملك ارتحشتا لعزرا الكاهن كاتب وصايا الرب وفرائضة على بنى اسرائيل "وهنا نرى ان بنى اسرائيل عاشو من 50، 70 عاما دون ان يكون بين ايديهم كتاب موسى أو التوراة أو أى كتاب آخر يستندون عليه فى صلواتهم.
وتورد التوراه أن عزرا عندما عاد الى القدس راح يقرأ عليهم سفر يسمى تثنية الشريعه ، واستغرقت قرأته سبعة ايام وان هذا يذكرنا بالتوراه التى عثر عليها الكاهنوأعطاها للملك حلقيا حيث قرئت فى جلسة واحده ولم تستغرق بضع دقائق ، فى حين استغرقت تثنية الشريعه التى قراها عزرا سبعه ايام وهذا يعنى ان الكتابين ليس بينهما صله.
والسؤال
هل كان عزرا يمتلك الكتاب سلفا أم عثر عليه؟؟أم انه هو الذى ألف الكتاب المسمى بالتوراة؟؟ولكن كيف استطاع تأليفه وفيه من الاسفار الكثير والكثير ؟؟ ويرى بنو اسرائيل أن عزرا هو الذى أعاد كتابة التوراة التى حوت الاسفار الخمسه. فهل كان سفر شريعة موسى يعنى هذه الاسفار الخمسه ؟؟أم أن هذا السفر منفصلا عن تلك الاسفار ، وله خصائصه ولغته؟؟
يرى بعض الباحثين والدارسين للعهد القديم أن موسى كتب بنفسه بأمر الرب سفرا يسمى سفر (حروب الرب) يحتوى على قصة الحرب ضد العماليق . وهناك اشارة الى سفر آخر يسمى ( سفر العهد) قراه موسى أمام بنى اسرائيل عندما عقدوا عهدا مع الرب ، ويرجح بعض الباحثين أن هذا السفر متضمن فى الاصحاح العشرين من سفر " الخروج الحالى" . وهنالك ذكر لسفر يسمى (توراة الرب) ، او (توراة الله) ، ثم شرح موسى الشرائع التى سماها ، أخذ من الشعب ميثاقا جديدا بأن يظلوا خادضعين للشريعه، ثم كتب ذلك كله فى سفر توراة الله.ثم قطع يشوع عهدا مع بنى اسرائيل بعد موت موسى وكتبه فيما يسمى سفر توراة الرب .
ولكن سبينوزا يطرح سوالا يقول : اين سفر الله أو توراة الرب؟
ويجيب :(لما لم يكن لدينا أى سفر يحتوى على عهد موسى ، وفى الوقت نفسه على عهد يشوع ، فيجب أن نعترف ضرورة بأن هذا السفر قد فقد ،ونستنتج اذا أن سفر التوراة الله هو الذى كتبه موسى لم يكن من الاسفار الخمسه الحاليه ، بل كان سفرا مختلفا كلية).
ويرى سبينوزا ، بناء على ما جاء فى الاسفار الحاليه ، أن سفر توراة موسى (تورة الله) الذى كتبه موسى كان صغيرا جدا ؛ لان وضع التوراة الحاليه ذكر أن موسى اعطاه الاحبار ، ثم طلب قراءته أمام الشعب فى اوقات معلومه . وهذا يدل على أنه كان أقل حجما بكثير من الاسفار الخمسه ؛ اذ كان من الممكن قراءته كله فى مجمع عام ، بحيث يفهمه الجميع .
وما قاله الدراسون حول الوثوق بالاسفار الخمسه وكتبها يذكرنا بما جاء فى القرآن الكريم عند الحديث عن كتاب موسى والواح موسى ؛اذ ان موسى عليه السلام علم بنى اسرائيل احكام وتشريعات ما انزل على انذاك فى ظرف زمنى ومكانى محدد.
لقد قرر العلماء والتاريخيون ان عزرا هو الذى كتب التوراة أو دونها بعد ان جمع القصص ، وبعض الاحكام التى كان يحفظها كبار السن من بنى اسرائيل.
ولكن اذا كان عزرا قد كتب التوراة بامر من ملك الفرس ، فهل كان مضمون التوراة العقيدى يخالف العقيده التى كان عليها ملك الفرس ؟ وكيف سمح بذلك دون ان تكون له قيمه كبرى فى هذا الكتاب ؟ ودون ان يدخل عزرا اسم هذا الملك فى متن النص التوراتى ويمجده ؟الواقع ان النص التوراتى يشير لنا بوضوح الى ما فعله عزرا ؟ والواقع ان عزرا عندما لب دعوة كورش الملك الفارسى ، ومن بعده من خلفه ، اراد ان يجعله قديسا كبيرا حتى بلغ مقام المسيح المننتظر.
ففى سفر اشعياء يرد النص الآتى "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذى امسكت بيمينه بيمينه لأدوس امامه امما وأحل أجزمة ملوك لأفتح المصراعين ،فلا تغلق الابواب ، اننى امشى امامك ، وأمهد الهضاب وأحطم مصراعى النحاس".
من المعروف أن الفرس لم يكونوا موحدين ، بل كانوا وثنيين ولكن كاتب التوراة أردا أن يكافئ كورش ومن بعده على ما فعله لبنى اسرائيل فى السبى البابلى ، فرفعه الى درجة القديسيين .
ثم ان التقديس لملوك الفرس يستمر حتى زمن عزرا ، حيث انه بعد ان كتب ما يحلوا له من التوراة قام بقيادة قافله كبيره الى فلسطين . وهناك القى على بنى اسرائيل ما دونه ، وسماه سفر الشريعه.
وقد جاء فى سفر عزرا ما يشير الى ان هذا الكتاب دمج بين شريعة بنى اسرائيل وشريعة الملك الفارسى .فقال " وكل من لا يعمل بشريعة الهك وشريعة الملك فليقض عليه عاجلا اما بالموت أو بالنفى أو بالحبس".
والواقع انه (ليس من المعقول ان يقدم عزرا شريعته على شريعه الملك .والا لعزل فورا وحكم عليه بالخيانه. وفى ظل هذا المنصب كتب عزرا التوراة ، وقرأها على بنى اسرائيل ، وقد عكس فى التوراة الظروف الاجتماعيه والحياه الفكرية للشعب اليهودى والعقائد الوثنيه التى كانت حاكمه على المجتمعات المحيطه بهذا الشعب ، والذى اكتسب الكثير من عاداتها وتقاليدها وعقائدها) .
وفى جميع الاحوال لا يعرف أن عزرا الذى كتب التوراة عنه الا انه من نسل هارون حسب ما جاء فى التوراه . وكان يعرف الكتابه، ويعمل عند ملك الفرس .اما من اين أخذ هذه النصوص والقصص المدونه فى التوراة ، فهناك التباس وغموض كبير ان حول ذلك . وكل ما قاله الدارسون لا يعد كونه افتراضات وتوقعات ليس اكثر.

المصدر
مجلة (آفاق الثقافه التراث) التى تصدر عن قسم الابحاث والدراسات بمركز جمعة الماجد للثقافه والتراث.