....
((( "
إيباك" تعدّ
قرارات الكونغرس
الأمريكي!)))
....
بات الدعم الأمريكي لإسرائيل من المسلّمات، ولكن أسبابه تأخذ حيزاً واسعاً من المناقشات على مستوى الوطن العربي. وسرعان ما يأتي الجواب بأن "اللوبي الإسرائيلي" هو الذي يقف وراء ذلك، والمقصود باللوبي مجموعة من المنظمات والأفراد يدعمون موقف الكيان الإسرائيلي من أجل تبني واشنطن سياسات تنسجم مع المصالح الإسرائيلية. لقد ترسخ الاعتقاد عبر السنين بأن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل متماثلة أو مترادفة كما يقول البعض، وأن الطرفين يحاربان الإرهاب، وتجمعهما مبادئ الحرية والديمقراطية.. إلخ.
وخلال السنوات السابقة، حاولت بعض الشخصيات في المجتمع الأمريكي تحدي هذه الفكرة وإثبات خطئها- كما يعتقدون- لأن مصالح الولايات المتحدة ومبادئها في الحرية لا تتفق مع السياسة الإسرائيلية، لكنهم لم ينجحوا في تغيير هذه الفكرة السائدة.
ولكن في هذه الأيام، اختلف الأمر، في المجتمع السياسي الأمريكي، فهناك نقاش كبير حول هذه المسألة، وإن كان محدوداً وضئيلاً على المستوى الشعبي.
وفيما يلي نلقي الضوء على أهم معالم هذا النقاش واتجاهاته وأسباب ظهوره، في الوقت الذي تجنّب الكثيرون الخوض فيه في الماضي.
دراسات وآراء جديدة
إن من أهم الأصوات المعارضة للرأي الشائع "وهو أن العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تخدم أهداف السياسة الأمريكية" دراسة ستيفن والت، وجون ميرشمر بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" التي نشرت في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس". وبالمناسبة فالأول هو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، وعميد كلية جون كينيدي للعلوم السياسية، والثاني ميرشيمر هو أستاذ للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو منذ عام 1982.
من أهم النقاط في هذه الدراسة أن اللوبي الإسرائيلي يمثل قوة كبيرة في صنع القرار السياسي الأمريكي، وقد نجح في الحد من النقاش عن مستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط للحفاظ على استمرارية الدعم الأمريكي لإسرائيل. ويرى المؤلفان أن أسباب النجاح هذه تعود إلى نفوذ اللوبي داخل الهيئات التنفيذية والتشريعية في الإدارة الأمريكية ومراكز الأبحاث السياسية ومؤسسات الإعلام الأمريكية والجامعات. ومن خلال توجيه اتهامات العنصرية ومعاداة السامية لأي شخصية تنتقد سياسة إسرائيل أو الدعم الأمريكي لها. ويورد المؤلفان أمثلة على التأثير القوي للوبي اليهودي مثل: قرار غزو العراق عام ،2003 الانحياز الأمريكي لإسرائيل، سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية وإيران غير المفهومة من خلال عدسة المصلحة الأمريكية.
وبطبيعة الحال، أثارت هذه الدراسة ردات فعل هائلة في الولايات المتحدة تجسدت في مقالات هاجمت الكاتبين، واتهمتهما بمعاداة السامية، ولكن مع هذا حصل رد فعل إيجابي تمثل في مناظرة جرت عن حقيقة اللوبي الإسرائيلي، شملت عدداً من المسؤولين السابقين ورواد الإعلام والأكاديميين، عن مدى تأثير هذا اللوبي على سياسة واشنطن الخارجية.
ومن أهم منظمات اللوبي الإسرائيلي التي ذكرها الدارسان والت وميرشمر هي: "إيباك" ومؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية- اليهودية الكبرى "الذي يمثل أكثر من 51 منظمة يهودية أمريكية بضمنها إيباك"، واللجنة اليهودية الأمريكية والمجلس اليهودي الأمريكي.
ردود اللوبي
والآن كيف رد اللوبي الإسرائيلي على ما جاء في الدراسة المذكورة؟
- مايكل هونلين، نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية- اليهودية، قال: "الدراسة ليست حقيقية، بل هي باطلة. والت وميرشمر لم يستخدما مصدراً أصلياً واحداً"، وأكد أن مصالح واشنطن وتل أبيب متطابقة، ونفى أن يكون غزو العراق بناء على مطلب إسرائيلي.
- غريغوري غوز، وهو أكاديمي بارز في دراسات الشرق الأوسط، أكد أن هناك تأثيراً كبيراً للجهات الموالية لإسرائيل في صناعة السياسة الأمريكية، وأن هناك حملة تخويف ضد الأكاديميين المعادين للسياسة الإسرائيلية، وأورد مثالاً وهو أن "خوان كوول أستاذ جامعة ميتشيغان" فشل في الحصول على تعيين في جامعة "بيل" نتيجة حملة إعلامية شنتها عليه جهات موالية لإسرائيل وللمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية.
- السفير الأمريكي السابق ديفيد ماك، رأى أن الدراسة لا تتطابق مع أسلوب صنع السياسات الأمريكية، ولم يوافق على علاقة كبيرة للوبي اليهودي بشن الحرب على العراق، وبشكل عام لم ير أن اللوبي يسيطر على سياسة واشنطن تجاه مسائل الشرق الأوسط، ولكنه اعترف بنفوذ كبير له داخل الهيئة التشريعية.
ومن أكبر المؤيدين للدراسة يوجين بيرد الذي عمل في الخارجية الأمريكية بين عامي 1952 و،1975 فقد وصف الدراسة بأنها مجهود رائع، وانتقد أسلوب التخويف الذي يستخدمه هذا اللوبي ضد المحررين والإعلاميين والأكاديميين.
لماذا هذه المناقشة الآن؟
إن التساؤل الذي يُطرَح الآن هو التالي: لماذا تناول المجتمع السياسي الأمريكي مسألة اللوبي الإسرائيلي وطبيعة تأثيره على السياسة الأمريكية في هذه الظروف؟ في هذا الإطار أجاب: بول فيندلي، وهو عضو سابق في مجلس النواب الأمريكي فقال ما معناه: "إن الولايات المتحدة تواجه موقفاً لا تُحسد عليه في العالم، فهي في حالة حرجة بسبب حربها على العراق التي هدرت دماء المواطنين الأمريكيين". وهنا نشير إلى أن فيندلي هذا سبق له أن نشر منذ أكثر من عشرين عاماً كتاباً بعنوان "هم تجرؤوا على الكلام" تحدث فيه عن الدور المتعاظم للوبي الإسرائيلي في الإطاحة به من منصبه في الانتخابات البرلمانية عام 1982.
- غلين فرانكيل "كاتب مقالة حديثة في الواشنطن بوست عن اللوبي الإسرائيلي" قال: إن هذا الموضوع كاد أن يشابه "الفيل الكبير في الحجرة الذي يتجاهله الجميع" وأضاف قائلاً: "لا شك في أن الحرب في العراق دفعت لطرح التساؤلات عن طبيعتها وأسبابها ودوافعها، وقد أكسبت هذه التساؤلات دراسة "والت وميرشيمر" أهمية كبيرة، خاصة أنهما يتمتعان بمكانة أكاديمية مرموقة وغير معروفين بميلهما إلى العرب".
اللوبي والخطاب السياسي الأمريكي
هناك إجماع في الآراء على أن تغيير نظرة الفرد الأمريكي وصنّاع القرار تجاه سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتطلب مجهوداً كبيراً. وعلى سبيل المثال: يعتقد غريغوري غوز أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ليس سياسة المحافظين الجدد فقط، بل هو مبني على فكر ليبرالي يعتقد أن دعم الأنظمة الديمقراطية يجب أن يكون عاملاً أساسياً في صناعة السياسة الأمريكية، وهذا يتناقض مع تفكير الواقعية الذي يرى أن السياسة يجب أن تنسجم مع المصلحة الوطنية، وهو المبدأ الذي يتبناه والت وغيره.
ويقول صحفي الواشنطن بوست غلين فرانكيل: هناك إجماع في الكونغرس حول أهمية العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية بصرف النظر عما إذا كانت هذه السياسة صائبة أم خاطئة.
ويرى رئىس تحرير سابق في دورية للإيباك روزنبيرغ أن منظمة إيباك اليوم تفوق قوتها ما كانت عليه في الثمانينيات، فهي اليوم لا تنتظر التصويت على قرار لتكثف نشاطها لصالح أهدافها، بل أصبحت تكتب بعض قرارات الكونغرس بنفسها.
وهكذا نخلص إلى القول إن علاقة اللوبي الإسرائيلي بالإدارة الأمريكية علاقة وثيقة ولصالح إسرائيل طبعاً، وإن منظمة "إيباك" هي أكثر ميلاً إلى الحزب الجمهوري من وجهة نظر الكثير من المفكرين الأمريكيين.
على أية حال ما نريد إيضاحه وتأكيده، هو أن مجرد إثارة هذه المسألة عن دور اللوبي الإسرائيلي وتأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية، وانعكاس ذلك على المصالح الأمريكية هو أمر جيد، بعد أن كان من المحرّمات. وهو مؤشر على أن هناك تململاً داخل الرأي العام الأمريكي تجاه هذا التأثير وانعكاساته على مصالح الولايات المتحدة وسمعتها، ولكن ما يجب التذكير به هو أن من المتفق عليه بين العديد من الكتاب والمحللين السياسيين والأكاديميين الأمريكيين أن اتباع سياسة أمريكية خارجية أكثر استقلالية وانسجاماً مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط أمر لا يمكن أن يتحقق في القريب العاجل.
:) :) :)